سياسات الاقتصاد الكلي والنمو في المنطقة العربية

0

مقومات السياسة الاقتصادية الكلية:

إذا ما إفترضنا أن الحد الأدنى من الأهداف التى يرمي إليها راسم السياسة الإقتصادية الكلية فى أي بلد (متقدم أم نامٍ) تتلخص فى الأهداف التالية:
  1. الحفاظ على مستوى قريب من مستوى التوظف الكامل لقوة العمل.
  2. الحفاظ على مستوى عالٍ من الانفاق الاستثمارى (عام أو خاص).
  3. الحد من مقدار العجز فى ميزان المدفوعات.
  4. مكافحة واحتواء الضغوط التضخمية فى الاقتصاد القومى.
  5. تخفيض حدة الفقر وحماية مستوى معيشة المواطنين .
نقطة البدء فى تكوين تصور مبدئى عن الصورة الكلية للإقتصاد القومى تتمثل فى محاولة تركيب معادلة الناتج المحلى الاجمالى فى الأجلين القصير والمتوسط.

أنواع التغيرات الاقتصادية الكلية:

ووفقا لهذا التصور يمكن التفرقة بين نوعين من المتغيرات الكلية (macro-variables):
  • المتغيرات التى تمثل قيم معطاة بناء على تقديرات مستقلة، وتسمى هذه المتغيرات "معطاه من الخارج" أو Autonomous بلغة الاقتصاديين.
  • المتغيرات التى تتغير قيمتها بتغير قيم المتغيرات الأخرى، وهى تسمى متغيرات "تابعة" حيث أن القيم التى تأخذها تلك المتغيرات تشتق من حركة قيم المتغيرات الأخرى.
ويمكن لنا على سبيل التبسيط اعتبار متغيرات آلية مثل "مستوى الإنفاق الحكومي" Cg , و "مستوى الصادرات الكلية" X , و "مستوى الاستثمار الكلي" I , تنتمى إلى المجموعة الأولى؛ أي تمثل قيم معطاة بناء على توقعات وتقديرات مستقلة للخبراء والمسئولين، بينما نجد متغيرات أخرى مثل "مستوى استهلاك القطاع العائلي" Ch , و"مستوى الواردات الكلية" M , تنتمي إلى المجموعة الثانية، أي تتوقف على القيم التى تأخذها المتغيرات الاخرى "المعطاة".

السياسات الاقتصادية الكلية والنمو:

تشكل الاستثمارات العامة والخاصة المحرك الرئيسي عملية النمو ويتأثر اكل منهما بالعديد من العوامل والمتغيرات.
وفى حالة العديد من البلدان النامية هناك ضرورة لإستكمال البنية التحتية المادية والإجتماعية، أو مايسمى البنيان الإرتكازي للإقتصاد القومى.
وهنا تكون الحاجة الى الاستثمارات العامة ضرورة تاريخية؛ لأنه من غير المرجح أن يقوم القطاع الخاص بتلك الاستثمارات بالمستوى المطلوب، نظراً لضعف الربحية المالية فى الأجل القصير، رغم ارتفاع العائد الاجتماعي على تلك الاستثمارات فى الأجلين المتوسط والطويل؛ لما تولده من خارجيات (Externalities) تعم على لاقتصاد القومى فى مجموعه.
من ناحية أخرى تتوقف الاستثمارات الخاصة على توقعات المستثمرين حول الأرباح المستقبلية؛ إذ يمكن للإستثمارات الخاصة أن تنشط رغم إرتفاع سعر الفائدة، طالما أن الربحية المتوقعة تفوق سعر الفائدة السائد فى السوق.

السياسة المالية والنشاط الاقتصادي:

تتعلق السياسة المالية بمجموعة من السياسات الحكومية لتحصيل الايرادات وأنماط الإنفاق الحكومي، وهي تلعب دورا حاسما في تحديد مستويات النشاط الإقتصاديد كما تؤثر على توزيع الدخل.
ويلاحظ أن الوسائل التى يتم من خلالها تعبئة الموارد العامة، والمدى الذى تزيد به، تؤثر على دخل القطاعات المختلفة فى المجتمع، وعلى قدرة الحكومة على الإنفاق العام، وهذا يؤثر مباشرة على إمكانية التوسع الاقتصادى في لمستقبل بسبب الدور الحاسم للاستثمار العام.

الاستراتيجيات المالية المستدامة:

من المهم لأي استراتيجية مالية أن تكون مستدامة على المدى المتوسط، و هذا يعنى أن لا تؤدي إلى تراكم ضخم للديون العامة أو تقود الى عجز تراكمي في الموازنات العامة للدولة، ولهذا فهناك حاجة ُملحة إلى ممارسة الضبط المالى خلال المدى المتوسط (فى مدى ثلاث سنوات)، ولكن ليس هذا مطلوبا دائما فى الأجل القصير؛ إذ أن الإصرار على تحقيق أهداف مالية جامدة فى اكل دورة سنوية قد يؤدى إلى نتائج عكسية إذا كان ذلك يعنى تخفيض فرص النمو وإمكانية إيجاد فرص العمل وعدم توظيف الموارد المحلية بطريقة فعالة.

أنماط الإنفاق الحكومي:

يعتبر الانفاق العام عنصرا أساسيا، سواء للاستقرار أو للنمو فى الاقتصادات النامية، ولكن توجهات الاستثمار العام أكثر أهمية، إذ أن معظم البلدان النامية لا تملك رفاهية اختيار زيادة حجم الاستثمار العام فى كل الحقول التى تحتاج ذلك، فلا يمكن تجنب أن توضع بعض الأولويات قبل الأخرى.
ومن منظور إجتماعى، يجب التأكيد على أهمية الإنفاق الحكومي فى النشاطات التى تخلق مزيدا من الطلب وفرص العمل، من أجل الدفع نحو سياسات للاقتصاد الكلى تخلق زيادة ملموسة فى الناتج المحلى الاجمالى من خلال تجاوب العرض.
ويجب التأكيد على أن الاستثمار العام ليس استراتيجية يتم توظيفها بمعزل عن غيرها من العوامل، فهناك حاجة لمراعاة الخصائص البنيوية الأخرى في الاقتصاد الوطني مثل: الخيارات التكنولوجية، وعدم التساوي في مستوى تطور القوى الانتاجية، والظروف المؤسساتية.
ويجب تمويل هذه الأولويات فى السياسة العامة من مصادر وطنية وإقليمية؛ فتأمين الموارد اللازمة محليا لدعم الاستراتيجية الإنمائية يتطلب جهودا متضافرة، لأن العديد من البلدان العربية لا تملك المدخرات والإيرادات الضريبية الكافية لتمويل هذه البرامج الطموحة لصالح الفقراء. وتتطلب هذه البرامج دعما إضافيا من مصادر إضافية للإنفاق العام.

السمات المشتركة للأوضاع الإقتصادية فى المنطقة العربية:

  • الاعتماد المفرط على إيرادات النفط ومشتقاته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي فى مجموعة كبيرة من البلدان العربية، ويرتبط بذلك أن التقلبات فى معدلات النمو فى الناتج المحلى كانت فى أحوال كثيرة دالة فى تقلبات سعر النفط.
  • اعتمد البلدان النفطية الخليجية على خدمات العمالة المستوردة من آسيا والبلدان العربية "غير النفطية"، مما يؤدي إلى نوع من الإعتماد المتبادل بين البلدان النفطية المستوردة للعمالة، من ناحية، والبلدان "غير النفطية" المستفيدة من تحويلات العاملين، من ناحية أخرى. وهى التي شكل أحد المصادر الرئيسية لتغذية جانب المتحصلات فى الحساب الجاري لميزان المدفوعات.
  • تتميز البلدان العربية بأن هناك معدل بطالة مرتفع ومزمن ( Chronic ) منذ سنوات طويلة.
  • تعمل الإقتصاديات العربية فى ظل درجات عالية من المخاطرة وعدم التأكد؛ نظرًا لطبيعة التوترات والصراعات المسلحة الدائرة نتيجة طبيعة المشاكل ذات الطابع "الجيوبوليتيكي".

النفط والتنمية فى المنطقة العربية:

من وجهة النظر العملية فإنه يمكننا تصنيف الإقتصاديات النفطية إلى مجموعتين رئيسيتين:
  1. مجموعة الإقتصادات النفطية ذات الطبيعية الريعية البحتة.
  2. مجموعة الإقتصادات النفطية ذات الهياكل المتنوعة.
ووفقا لهذا التحديد، نجد أن المجموعة الأولى تضم دولاً نموذجية مثل الكويت والإمارات وقطـر، التي تتميز بأساس سكاني ضعيف وقطاع زراعى ضئيل للغاية، مع الإعتماد شبه المطلق على الريع النفطي.
تضم المجموعة الثانية دولا ً كالعراق والجزائر، التي تتميز إقتصاداتها بكونها أكثر تعقيدا وتنوعاً وأكثر تماثلاً مع دول العالم الثالث النامى.
وفى المقابل، هناك دولاً نفطية كالمملكة العربية السعودية والجماهيرية الليبية تجمع بين بعض الملامح والخصائص التى تميز كلا المجموعتين، وهي ذلك تشكل مجموعة ثالثة تشغل مركزاً وسيطاً بين المجموعتين.
تكتسب العلاقة بين حجم السكان فى الإقتصاد النفطي والكمية المعطاة من إنتاج النفط الخام أهمية خاصة؛ ولذا لابد من التفرقة فيما بين تلك الإقتصادات ذات الأحجام السكانية الكبيرة وتلك ذات الأحجام الصغيرة، يمكن تحديد الخط الفاصل التحكمي بين تلك الدول على أساس عدد براميل النفط الخام للفرد، في ضوء صغر حجم السكان المحليين فى إقتصادات بلدان الخليج، فإن العرض المحلي من العمالة الماهرة يعتبر محدوداً للغاية بالنسبة لاحتياجات التنمية ومتطلبات تسيير عجلة الحياة اليومية.
ونتيجة لذلك، فإن الخدمات والأنشطة الرئيسية لابد لها، لكي تدار بكفاءة، من الإعتماد على العمالة المستوردة والوافدة.

سياسات الاقتصاد الكلي والنمو في المنطقة العربية
سجل بريدك في القائمة ليصلك الجديد
هل تستطيع القيام بجولة في موقعنا فبل المغادرة